الأربعاء، ديسمبر ٣١، ٢٠٠٨

أشعر بغزة فى قلبى



ضابط الحدود القتيل، المنزوعة عنه الشهادة كما قالت الفتوى العمياء، قتل وهو يستجيب للأوامر، قام بما أملته عليه مهنته وقيادته، فهل تراه كان يفعل ذلك ويطلق نيرانه على إخوانه فى الناحية الأخرى من السور وهو مؤمن بأنهم خونة ومستعمرون يريدون احتلال أرضه، هل تجاهل هذا الضابط الهمام هذا المشهد الذى رأيناه فى الصور حيث كانت الجهة الأخرى - التى يقف بمواجهتها والتى نالته منها رصاصة أخيه - تحترق ، هل كان يعلم يقينا من يحرق هذه الأرض التى يقف عند حدودها، ألم يسمع أزيز الطائرات التى تدوى صواريخها أمام عينيه لتدك الخضرة والنور والحياة عند أخيه، ترى ما الذى آلمه أكثر، رصاصة أخيه المرتبك المعزول المنصبة فوق رأسه حمم السماء حين اخترقت صدره فأردته، أم رائحة الشواء البشرى المنبعثة من جهة الرمى، حيث تحترق جثث أبناء أخيه وزوجته. هل مات راضيا عن وفائه بأمانته ومهمته فى حماية حدود الوطن الصغير، أم تراه تمزق وهو يتجاهل احتراق الوطن الكبير، هل كان هذا الضابط حامل السلاح والمللوء بشعور ممتد لعمق التاريخ بشرفه كجندى من خير أجناد الأرض يشعر فى تلك اللحظة التى تبادل فيها اطلاق النار مع أخيه بأنه يخون إنسانيته ووطنيته حين يقف فى هذا الركن الآمن وبهذا السلاح المحشو بالرصاص عاجزا عن الدفاع عن أخيه، ليس عاجزا فحسب، بل مضيفا لعذاب أخيه عذاب، وللجحيم النازل فوق أرض أخيه وجسده وأهله جحيما ينتجه هو نفسه. هل تمزق بين الأوامر وشعوره بالأخوة، أم تراه ات مرتاحا إذ استمع لكلمات قادته ممن قالوا له هذا الذى هناك ليس بأخيك، وأمن بكلامهم ونزل على أوامرهم ولم يداولها فى عقله، ولم يجعلها تمر بقلبه، فاعتبر أخيه عدوا غريبا رغم هذا الشبه الكبير بينهما فى الصورة والهيئة والصوت.


الصورة نقلا عن موقع جريدة اليوم السابع