الاثنين، مايو ٢١، ٢٠٠٧

رسالة قديمة لقيتها فى تعليق عند مدونة جردل بتات علاء ومنال


قابلت علاء مصادفة بصحبة زوجته الرقيقة السيدة منال فى دار ميريت وقد بادره صديقنا محمد هاشم بأننا كنا للتو فى سيرته، وافهمه اننى استأت مما ذكر فى مدونته عن الدستور. واقسم هو انه لم يرد سوى إصلاح النفوس، واحسب اننى صدقته. واليوم بعدما تصفحت المدونات بصورة أعمق وجدت أن الأمر قد زاد عن سوء فهم ومحاولات لرأب صدع طال أخوة المهنة ورفقة النضال من أجل الحرية.
لم أكن أود أن أضيف للمعركة، فإسكاب المياه فى هذا المقام خير من سكب الزيت، المسألة بداية طالت جريدة اظنها قد خرجت بالصحافة من اللغة الخشبية، كما يقول نصر الله، إلى لغة الناس، نطقاً ودلالة، فجاءت بلغة بسيطة بموضوعات لم نكن نحلم أن نمسها قولاً فى عهد مبارك وتحت مظلة أجهزته الأمنية الباطشة، ولعلى أزعم أن الدستور وعبر مقالات كتابها الأعزاء الذين ذكر أغلبهم بالسوء على هذه المدونة، قد أنجزت انجازاً غير مسبوق فى الصحافة المصرية، فقد أنزلت مبارك عن مقام ألوهيته التى صنعها له صفوت الشريف وعصابته الدعائية، وأجهزته الفاشية. أنزلته لمقام الحاكم المسئول، وفتحت له قائمة أسئلة طويلة، أزعجته هو وحرسه القديم والجديد، كان للدستور سبق فى هذا، أضاف كثيرا لجهود العربى الناصرى وتابعته الكرامة وصوت الأمة والمصرى اليوم، وإن كان بدرجات متفاوته وبلغة مختلفة.
هذا هو مقام الدستور الحقيقى، فهل يا ترى كان من الصواب الإمساك بهذا المقام من خلال قضية فرعية (وهى بالتأكيد قضية جدية ولا أقول انها مفتعله) والنزول عليه بهراوات التفاهة والتجريس وإمساك السيرة والسباب الفاحش، نيلاً منه وانقاصاً له واضعافاً لمصداقيته، بما لم يضف للقضية الأصلية، بل أزعم انها قد تاهت فى خضم الصراخ والتنابذ وتاه معها حق من ظلم فيها، وهم –للأسف - ليسوا بمنأى عما حدث من فوضى الرأى وغياب إطار محترم للاختلاف.
اعتقد ان علاء قد خانه ذكاؤه فى ترك هذه المعركة المفتعلة تستعر أكثر من هذا، خانه ذكاؤه حين لم يتنبه إلى أن المدونه التى هو مسئول عنها وعن ما يعرض فيها من مواد، كما أن ابراهيم عيسى مسئول عن الدستور وما فيها على حد قوله، قد صارت مرتعاً لتخليص ثأر قديم، فى السياسة والصحافة، فدخلها من دخلها لسكب مزيد من الزيت على النيران التى بدأت شرارت صغيره، فهانت نفوس الناس واعراضهم، وذكرت الصديقات الفضليات بالسوء، ووصم منافحين مخلصين عن الحرية والديمقراطية بالعمالة والديكتاتورية والتلون وغير ذلك من كلام ما كان ينبغى لمدونة علاء ومنال الرائعة أن تسقط فيه، ولعلك الآن يا صديقى، واسمح لى بأن أدعوك صديقاً، وتذكر أن صديقك من صدقك لا من صدقك، قد لمست بنفسك كيف أن الموضوع لم يكن فقط خناقة ظريفة تركتها للتفرج عليها ولم يهمك من أمر من نهشت أعراضهم ووسمعتهم فيها شئ.
لقد هالنى ما حدث فى هذا الموضوع من افتئات على المعنى العظيم لحرية التعبير، والمعنى العظيم لحق النقد، وقرأت مرغماً عبر صفحات التدوين كيف ترخص الناس فى التعبير، وأهانو الحق وحملوه ما هو ضده، وشوهوا المعنى الأقدس للحرية بمس خصوصيات الناس التى تحميها الحرية، فاتهم ابراهيم عيسى وبلال فضل اتهامات رخيصة اقلها العمالة وابتزاز رجال الأعمال والزنا والعجز الجنسى، واتهم آخرون من الجريدة العظيمة بجهالات مشابهة، وهى اتهامات لا تبررها أبداً مبررات تتذرع بالحرية والحق، فهى أشياء جعل الحق وجعلت الحرية لمكافحتها وليس لحمايتها. أليس كذلك. فى هذه المشتمة نسيت المواقف العظيمة للدستور التى كلفت إدارتها وصحفييها الكثير من الملاحقة وحتى التضييق فى الأرزاق، قد يكون هناك من استغل الموقف ومن ادعى نضالا ومن تاجر بقضية الحرية والاصلاح، فهؤلاء شر الأرض ينبتون فى كل مكان، يتسلقون كل نافذه فتحت نحو الحرية ويتطاولون لسدها، لكن الكثرة الغالبة هم من الأوفياء للحق وللحرية، ومن هنا نخاطبهم، يا أيها الواقفون على خط واحد فى وجه النار واستبداد الفرعون الأشر لا تفتحو الصفوف لمندسيه ولا تفسحو لذرائع الفرقة بينكم مكانا، لازالت ترن فى أذنى كلمات شباب حركة التغيير حين يدب الخلاف وتعلو اصوات التشاحن، وحد صفك، كتفى بكتفك.
إبراهيم عيسى الذى قابلته مرة عابرة لا يزال فى ظنى الصحفى الألمع والأبرز والأكثر اتساقاً والأجمل حديثاً بين جملة الصحفيين فى مصر، وهو حين يقول أن الدستور مدرسة تصنع صحفيين عظام فهو لم يخطئ، بل هذا وسام على صدر كل صحفى كتب فى الدستور وصار له قراء، هو رئيس تحرير يحرض على كشف الحقيقة ولا يقمع الرأى كما فهمت من شهادات عدة لمن عملوا معه سواء فى الدستور القديمة أو فى الدستور الجديدة، هذا مقامه بين الصحفيين، لوا يمنع هذا أبدا مراجعته فى قرار اتخذه أو فى وضع سئ لصحفييه يشتكون منه، بل ولا يمنع فى نقده ودعوته للاتساق مع الذات هو وغيره من نجوم الدستور ممن يكتبون ويهرقون الحبر فى التذكير بمعنى الحرية والمطالبة بالحق. فهذا فى الحقيقة حقه علينا، وحقه عليكم أيها الصحفيون ممن ظلمتهم الدستور، فتقويمه فى هذا المنحى واجب، لكن التشهير قضية أخرى، ومقام آخر عليكم أن تربأو بأنفسكم عنه. أحسب الآن يا علاء أنه قد صار عليك حقاً بصفتك مدون قديم، دعاك صديق لى من المدونيين الأب الروحى للمدونين المصريين رغم حداثة سنك، أن تستخرج الدروس المستفاده من هذا الموضوع، ومنها فى ظنى كيف أن حرية المدونين لا تعنى بحال نهش الأعراض والخوض فى سير الشرفاء بما ليس فيهم، لا يعنى هذا ألا تنبهوا وتراجعوا بل وتنتقدوا ابراهيم عيسى وإدارة الدستور لخطئها فى حق صحفييها كما أسلفت القول، لك أن تفعل ذلك لكن الحصيف الذكى لا يترك كتفه لكل قرد يريد القفز. وأعلم يقينا أنك تريد لمدونتك أن تكون آداة لدعم الحقيقة وكشف الزيف وليست آداة للتشهير والتضليل. وثقتى بك كبيرة وقد رأيتك وتابعتك ولمست إيمانك بقضية الحرية، وفهمت كيف تحاول الجمع بين الحركية النشطة دفاعا عن الديمقراطية والكتابة النشطة دفاعا عن الضمير.
فلنعيد المدونات رأس حربة إليكترونية لو جاز التعبير، لتنبش وجه المجتمع المتكلس تستخرج قضاياه الحقيقية وتضعها رهن البحث والرأى والأخذ والرد بين الشباب ممن رأى فى الإنترنت مكانا خصبا لممارسة حريته، فلتكن هذه الحرية واعية ومسئوله، وأشدد على وعيها هنا حتى لا تسقط فى براثن المتسلقين، أو مروجى التفاهة ممن يلهون عن جوهر القضايا أو المعبرين عن ذواتهم المكتئبة والسوداوية ممن لا يهمهم سوى لعنة العالم، أو المهاويس ممن لا يضيف هوسهم شيئا للخيال أو الفن، فلتعد المدونات أرضا للحرية.
لا أقول اوقفو هذا المحور فقد فات الآوان، وجرى مع ماء النهر ما جرى من غثاء، لكن أقول لنتعلم جميعا من الدرس ولنعيد التذكير بأن التدوين ليس ملة واحدة وأن التدوين عالم عريض لا يمكن جعله شئ واحد، كما قال علاء، وأضيف أن علينا كأصحاب رسالة واحدة تبتغى الحرية لهذا البلد ادراك أهمية أن نعمل آليات فعالة للفرز وآليات فعاله لحماية الخصوصية، وآليات فعالة لتكريس الحقيقة ومكافحة التشهير على المدونات. فهذه هى السبيل الوحيدة لعدم تضخيم مثل هذه القضايا التى تلهى عن الخط العام والمسعى الأهم. وأظن أن هذا كله ممكن، كما كان بامكانكم أن تخلقوا هذا العالم الاعلامى الكبير الذى فضح الدكتاتورية وبنية الفساد وافهم العالم كيف أن شباب مصر على وعى يفوق كل من اتهمهم ودرج على وصمهم بالتفاهة والخواء الثقافى، إن عالم المدونات المصرية الجادة، وفى القلب منها مدونة منال وعلاء، ذلك الذى تحدثت عنه الدنيا وعن جراءة اصحابه والمشاركين فيه من الشبان بات عليه أن يستعيد روحه الأصلية ويتنبه لخطاه ويعود لصف النضال من أجل الحرية والحق والديمقراطية. وإنى على ثقة كبيرة فى أن هذا سيأتى.
عذراً للإطالة وتكرار الفكرة، إنها تذكرة لنفسى وللجميع، وإنى على أمل كبير أن تنطفئ هذه النار ونرى كتيبة الدستور صفا واحدا كبنيان مرصوص فى وجه عصابة الفساد من أمراء الظلام يفضحونهم ويعرونهم ويلاحقونهم.